Top Ad

logo

هذا القالب هو معرب ومطور بواسطة مدونة مداد الجليد للحصول على دعم حول هذا القالب الرجاء زيارة مدونة مداد الجليد.

الأحد، 15 سبتمبر 2013

شروط وخصائص المجتمع المدني

    نجيب المصمودي
باحث وفاعل في مجال المجتمع المدني
متخصص في تدبير الشأن العام المحلي

شروط وخصائص المجتمع المدني
تقديم:

تعتبر شروط وخصائص المجتمع المدني هي أركانه ودعائمه، فلا يمكن أن يقوم إلا بها، ونقصان أحد هذه الأركان يعني بطلان حقيقة المجتمع المدني... فمثلا، نقصان الحرية، أو الإستقلالية، أو الطوعية أو التسامح... لا يمكن بتاتا أن نسمي تلك المنظمات، بمنظمات المجتمع المدني... فسمها ما شئت إلا "مجتمع مدني"، وكذلك خصائصه المادية.
وبذلك سنتطرق إلى الشروط والخصائص المادية وإلى الشروط والخصائص المعنوية والأخلاقية.

المحور الأول: الشروط والخصائص المادية

يعتبر الركن المادي في مؤسسات المجتمع المدني أهم أركانه، إذ لا وجود لمجتمع مدني دون عنصر بشري أو دون مؤسسات، أو دون موارد سواء كانت مادية أو معنوية.

أولا: المؤسسات المتعددة
المؤسسة هي سلوك جماعي يتسم بالدوام والإستمرارية في الزمان والمكان، ويهدف إلى تلبية حاجة جماعية تمليها ضرورات تنظيم المجتمع واستقراره (1). فيستلزم قيام المجتمع المدني وجود مجموعة من المنظمات والمؤسسات والهيئات التي تعمل في ميادين مختلفة بالاستقلال عن حكومة الدولة، ويقسم المجتمع المدني عادة إلى المجتمع التلقائي ابتداء من الأسرة والقبيلة، إلى الأواصر العرقية والدموية، إلى الانتماءات الدينية، إلى الانتماءات البدوية والحضرية... إلى المجتمع المدني المنظم والحداثي: مثل النقابات التي تدافع عن مصالح أعضائها الإقتصادية، وتسعى لرفع مستوى المهنة، واتحادات الكتاب والجمعيات العلمية والثقافية ومراكز البحوث والدراسات التي تسعى إلى نشر الوعي بأفكار وأراء معينة، والصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر الحرة كذلك، والجمعيات الخيرية والحركات الإجتماعية والجمعيات التعاونية التي تسهم في تقوية أغراض التنمية الشاملة والمندمجة، والتنظيمات المهنية المختلفة (هيئات الأطباء، والمحامين، والمهندسين، ورجال الأعمال...)، والغرف التجارية والصناعية والفلاحية... والتجمعات والروابط ذات الطابع العرقي ( جمعيات الشرفاء المختلفة...)، والجمعيات والمنظمات غير الحكومية الدفاعية التي تهتم بالدفاع عن قضايا معينة كالديمقراطية ومراكز وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة، و حقوق الطفل، والبيئة والتنمية ومراكز الشباب والإتحادات الطلابية والجمعيات الأهلية والجمعيات الثقافية والفنية والرياضية والترفيهية، والتربوية... وغيرها.
إذ يجسد هذا الركن المادي في المجتمع المدني الإنقسامات المختلفة والمتعددة في المجتمع، كما يسعى إلى تحويلها إلى علاقات تعاون وتكامل وتنافس سلمي شريف بدلا من الصراع والتناحر الذي يؤدي إلى تقسيم المجتمع وتفتيت وحدته. وعلى ذلك فإن المجتمع المدني ليس كتلة واحدة متجانسة لا توجد بها أي اختلافات أو انقسامات، وإنما هو يتكون من جماعات تتسم بالتعدد والتنوع ولكنه يهدف إلى تحقيق التوفيق والتراضي بينها (2).

ثانيا: الموارد
تعتبر الموارد، سواء كانت مادية أو معنوية، و التي تملكها مؤسسات المجتمع المدني من أهم الدعائم والمتطلبات التي تساهم في قيامه بدوره السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي والتنموي...، وإدارة علاقاته سواء كانت بين مؤسساته، أو بعلاقته بالدولة... بما يضمن استقلاله وحريته في الممارسة لتحقيق أهدافه... وتعتبر قضايا الموارد، وخصوصا المادية منها، من أهم العوائق والمشاكل التي يمكن أن تتخبط فيها مؤسسات المجتمع المدني، فيدون موارد أو نقصها لا يمكن تطبيق برامجه وأفكاره، ولا يمكن تحقيق أهدافه المنشودة...
فغالبا موارد المؤسسات المدنية، تأتي إما عن طريق مساهمة المنخرطين، أو المتعاطفين أو المحبين أو المحسنين... فهي غالبا ما تكون غير كافية، أو عن طريق دول ومؤسسات ومنظمات دولية... وهذا ما يثير حفيظة وقلق الدولة المنتمية إليها بعض هذه المؤسسات المدنية المستفيدة، إذ يعتبر الهاجس الأمني والسيادة الوطنية ومشكل التدخل في الشؤون الداخلية للدول... من بين محركات هذا القلق، أو يضطر المجتمع المدني- إلى اللجوء إلى الحكومة لطلب العون والمساعدة، والتي يتبعها التدخل الحكومي في شؤون المنظمات التي تحصل على الدعم الحكومي، كما يفتح أبواب الفساد الذي يصبح كالسوس الذي ينخر عظام المجتمع و يؤدي إلى انهياره (3).

المحور الثاني: الشروط والخصائص المعنوية والأخلاقية

فألاهم من وجود المؤسسات وجود مبادئ وقيم تحكمها بما يضمن تحقيق الهدف من وجودها وتعد الشروط والخصائص المعنوية والأخلاقية هي الأسس الأهم في بناء مجتمع مدني قوي، وذو فعالية راسخة...إذ رغم تعدد واختلاف تعاريف المجتمع المدني فإن اغلبها اتفق عليها:  كالحرية، الطوعية، الإستقلالية، التنظيم، التسامح، التراضي العام في إطار احترام النظام والقانون العام، الشعور بالإنتماء والمواطنة، عدم السعي للوصول إلى السلطة، التغيير بالوسائل السلمية، إلزامية احترام مبادئ الديمقراطية داخل المجتمع المدني، خدمة الصالح العام... إلى غير ذلك من المبادئ.

أولا: الحرية
فالحرية موضوع جدلي قديم، جديد، فجل أقلام المفكرين والفلاسفة، بمختلف مذاهبهم، ومشاربهم.. تناولته بالدرس والتحليل، وذلك لما له من علاقة وثيقة بحياة الإنسان، فبصفة عامة فالإنسان إما أن يكون حرا أو يكون فاقدا لها.
والفلاسفة قسموا الحرية إلى أنواع، وذلك بناء على المجالات التي لها علاقة أساسية بالإنسان، نذكر منها:
1.      الحرية الطبيعية: وهي إتخاد الفرد قراراته فقط على أساس  إدارة مصدرها الغرائز والشهوات لا أكثر؛
2.      الحرية الأخلاقية: وهذه الحرية لا يمكن الوصول إليها إلا داخل جماعة أخلاقية، تتوفر على قيم ومبادئ وأسس أخلاقية عامة وخاصة، كعادات و أعراف؛
3.      الحرية المدنية: لها ارتباط بالمجتمع المدني، إذ أن الإلتزامات الأخلاقية تتوقف في المجتمع المدني عن كونها مجرد عادات وأعراف، ولكنها تصبح قوانين مصاغة بكل وضوح ووعي، لتؤطر وتوفق بين مصالح الناس (4)، والحرية المدنية عند علال الفاسي خمسة أنواع:
§     الحرية القومية: ويعني بها حق استقلال الشعوب والأمم من كل سيطرة أجنبية على أراضيها ومقدراتها؛
§     الحرية الشخصية: وهي لا تعني إرادة الإنسان في أن يفعل ما يشاء بل هي تمتع الإنسان بالحقوق وقيامه بالواجبات، وتتضمن لا فقط حرية الفكر وحرية الإحساس، بل أيضا مجموعة من الحريات الإجتماعية والسياسية الخاصة بالفرد، فالرق مثلا مناف للحرية تماما.  ويدرج علال الفاسي ضمن الحرية الشخصية مجموعة من الحريات الفردية والحقوق السياسية للفرد كحرية السفر وحرية التجول، وحرية السكن، وحرية الإعتقاد والحرية الدينية وحرية الإنتخاب وحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية التجمع بمعنى أن الحرية الشخصية لا تكتمل وتكتسب كامل معناها إلا بتوافر الحريات السياسية أو أن هذه الحريات الإجتماعية والسياسية تتبلور عمليا وتتجسد في الحرية الشخصية؛
§     الحرية السياسية: وتتضمن حرية التفكير والتعبير، وحرية الإجتماع والتجمع وحرية الأحزاب، وحرية العمل النقابي وحرية الإنتخاب (5) وتعتبر الحرية السياسية أرقى لحظة في تطور الإرادة من أجل تقرير المصير الذاتي، فكلما شارك المرء في حياة الجماعة، طور حريته وجعلها أكثر كمالا (6)؛
§     الحرية الإجتماعية: وتتمثل في الحق في التعليم والصحة والعمل والحرية النقابية؛
§     الحرية الإقتصادية: يورد علال االفاسي عدة معاني للحرية الإقتصادية، فهو يعني بها تارة " أن يتوفر الفرد والأمة والجماعة على ما يأكلون وما يشربون" لئلا يظلوا عالة على غيرهم وتابعين لهم؛ ويعني أحيانا بالحرية الإقتصادية، الإستقلال الإقتصادي أي عدم التبعية للغير وعدم الإحتياج إليه، بمعنى تحقيق الإكتفاء الإقتصادي فيما نستهلك، أي حرية اقتصادية تجاه الشركات الأجنبية والرأسمالية الأجنبية. وتعني الحرية الإقتصادية أحيانا تحقيق " ديمقراطية أو اشتراكية إسلامية تضمن للعامل عمله كما تضمن لكل واحد المجهود الذي يبذله وتتيح الفرصة لكل مواطن ليحصل على وسائل التموين الضرورية" (7).
وأرقى أنواع الحرية حرية التفكير، إذ أن الفكر حر لا يستطيع أحد أن يقيده، ولم يجعل الله لأحد سلطانا على حركة الإنسان الداخلية، هكذا تعود الناس أن يقولوا، ولكن هذه الحرية التي يحمدون الله عليها لا قيمة لها إذا لم يكن لها الحق في أن تظهر للناس، أي في أن تعطي لصاحبها حق التظاهر بما يعن له من فكر، والإعراب عما يخطر بباله من رأي (8).
إن الحرية هي الأس المتين (...)، فلا يمكن أن نتصور احتراما لحقوق الإنسان، أو نتصور تجربة ديمقراطية دون كسب معركة الحريات الأساسية (9). فلن يكون للمجتمع المدني وجود حقيقي دون تمتع الأفراد بحرية الإختيار والتعبير عن الإرادة، فمؤسسات المجتمع المدني، يتوقف تأسيسها، والإنخراط في مؤسساتها على الحرية، بغايات: كالدفاع عن مصالح أو قضايا معينة،.... تهم الفرد أو الجماعة أو تهمهما معا.
وتبقى مسألة الحرية، مسألة نسبية، وذلك راجع إلى المرجعيات الفكرية التي يتبناها كل مجتمع: من دينية، و أخلاقية وإيديولوجية، وتاريخية... فكل مجتمع له ضوابطه و أسسه، وخصائصه في رسم حدود الحرية.

ثانيا:  الـطـوعـيـة 
مبدأ الطوعية من السمات الأساسية لممارسة العمل، والأنشطة في مجال مؤسسات المجتمع المدني، لأنه عمل لا ينتظر منه دخل أو ربح ماديين...، والطوعية تعني كذلك أن تنظيمات المجتمع المدني باختلاف أنواعها وأهدافها، تتأسس بناء على الرغبة المشتركة لأصحابها، وانطلاقا من إرادتهم الحرة أو الطوعية، وبالتالي فهي غير مفروضة من طرف أي جهة. ولا يتم إحداثها استجابة لتعليمات أو توجيهات الحاكمين وذوي النفوذ، أو غيرهم، وتمارس نشاطاتها التي تستجيب للأهداف التي سطرتها لنفسها بعيدا عن أي ضغط أو تأثير خارجي.
وعادة ما تنبع الرغبة في تكوين هيئات المجتمع المدني، من شعور الأفراد بانتمائهم للمجتمع الذي يعيشون فيه، وبكونهم معنيين بما يحدث فيه سلبا أو إيجابا، ووعيهم بما لهم من مسؤولية تجاهه ، وبأهمية الإنخراط في قضاياه بالاشتراك مع الآخرين، وما يقتضيه ذلك من تطوع وتضامن وتعاضد وتعاون من أجل الصالح العام ، ثم الإحساس بلذة تحقيق النتائج، وجني الثمار، التي تعود بالنفع على المجتمع ككل، وعلى أفراده من خلال العمل المشترك (10).

ثالثا: الإستقلالية
والإستقلالية مكون من مكونات الشخصية، مادية كانت أو معنوية، إذ يجب أن تكون هناك حدودا واضحة... لتدخل السلطة (الدولة)، في شؤون المجتمع المدني، من تفكير، وتدبير وتسيير، وإعداد للبرامج، وتنفيذا لها... بحيث يتسع مجال الحركة الحرة المتاح للجماعات المختلفة ولا تتدخل فيه الحكومة إلا بمبررات ويقبلها المحكومين برضاهم (11).
كما أن هيئات المجتمع المدني لا تؤسسها الدولة، ولا تحدث بإيعاز منها، فهي لا تكون أداة تسخر من طرفها لخدمة أهدافها السياسية، إنها منظومة ذاتية التأسيس والإشتغال، وحينما تفقد أي جمعية أو منظمة استقلاليتها عن الدولة، وعن نفوذ السلطات العمومية، فإنها تفقد بذلك العنصر الجوهري الذي يميز المجتمع المدني الذي تتبلور في نسيجه رغبات أفراده، ويخضع لنظام خاص به، وله منهجيته، وتأكيدا لمبدأ الإستقلالية فإن منظمات المجتمع المدني أو (CSOs) تعرف في الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وفي المؤسسات الدولية عموما، بالمنظمات غير الحكومية، وتختصر اسمها في (O.N.G).
واستقلال المجتمع المدني عن الدولة، لا يعني بالضرورة أنه نقيض أو خصم لها، أو لا توجد بينهما صلة  لكن العلاقة المثالية التي يمكن أن تكون بين الدولة والمجتمع المدني، هي في صور علاقات التكامل، والمشاركة الفعالة والبناءة في أوراش مختلفة... إذ لا يهم أمر الذاتية والطموح الشخصي بقر ما يهم المصالح العامة بالأساس... وهذا لا يتحقق إلا في الدولة الديمقراطية التي تكون فيها السيادة للأمة (12)...
كما أن الإستقلالية لا يجب أن تكون فقط عن الدولة، وإنما الإستقلالية يجب أن تكون صفة ملازمة، وركنا أساسيا لمنظمات المجتمع المدني، في مواجهة جميع المنظمات والمكونات الإجتماعية الأخرى ... وكذا بين منظمات المجتمع المدني نفسها... لأن عن طريق عنصر الإستقلالية تتحقق الشخصية الكاملة، والإبداع المستمر، والجدية في العمل، والتنافس الشريف... والنتائج المرضية...

رابعا: التنظيم واحترام النظام والقانون العام
التنظيم واحترام النظام القانوني عاما كان أو خاصا... شرطان أساسيان، لإبراز الجدية في العمل، وتحقيق النتائج المرضية...
فالحرية والطوعية والتلقائية التي تطبع تأسيس منظمات المجتمع المدني لا تعني العشوائية أو عدم الضبط، فلوجود أو تأسيس إحدى هذه المنظمات يجب أن يخضع للقوانين السائدة في إطار الدولة (13) بالإلتزام بقواعد الدستور والقوانين وما تكفله من حماية لحقوق الأفراد في التعبير والتصويت والمشاركة في مناخ مفتوح لتبادل الآراء، تلك الشروط القانونية لتأسيس منظمات المجتمع المدني، إذ تم وضعها بالإتفاق والتراضي بين مختلف التيارات في المجتمع، كان ذلك دليلا على توافر الحرية والديمقراطية، أما إذا فرضتها سلطة أو فئة على الآخرين، فإن ذلك يعني عدم وجود مجتمع مدني حقيقي (14). كما تخضع في تسييرها وقيامها بمهامها لقوانينها الأساسية، وأنظمتها الداخلية.
وتقوم العلاقة بين أعضاء الجمعية على أساس التكافؤ واحترام كل الآراء والاجتهادات، في إطار العمل الجماعي لفريق يتوخى تحقيق نفس الأهداف وهي علاقة أفقية، وليست عمودية مثل العلاقة بين الأجير والمؤجر، أو بين السلطة والمواطن، أو بين شيخ الزاوية والأتباع، مما يجعل الجمعية إطارا يتيح ويشجع كل الأعضاء على الابتكار والإبداع، والمساهمة الإيجابية في الوصول إلى الغايات المشروعة المشتركة (15).
ومما تجدر ملاحظته أن هذا الشرط يميز المجتمع المدني عما عداه من تجمعات وكيانات اجتماعية، فالمؤسسات التقليدية كالأسرة والقبيلة والعشيرة مثلا ليست تجمعات منظمة بفعل الإرادة البشرية وإنما هي نتيجة لتطور طبيعي تلقائي ليس للإنسان دخل كبير فيه. أما إذا ما اكتسبت تلك التجمعات صفة التنظيم وأصبح انتماء الفرد لها يتوقف على الإختيار الحر بدلا من الإجبار، كما صارت تقبل الدخول في منافسة سلمية مع غيرها  من التجمعات للحصول على مزيد من الأنصار من خلال الإشتراك في حوار مفتوح مع الجماعات الأخرى لتبادل الآراء والأفكار المختلفة دون محاولة فرض رأي بعينه، فإنها تعد بذلك جزءا من المجتمع المدني.
فالشكل الذي يوجد عليه التجمع ليس هو المهم، وإنما يعد سلوك الجماعة والمبادئ التي تسير عليها هو الأهم، وعلى رأس هذه المبادئ نبذ التعصب والتطرف... وقبول حق الجميع في الإعتقاد فيما يشاؤون : لكم دينكم ولي دين.
فقيام مجتمع مدني حقيقي يستلزم وجود دولة قادرة على فرض القواعد القانونية وقيام الحقوق التي ينص عليها الدستور بالنسبة للأفراد والجماعات وبدون هذا الدور للدولة سيتحول المجتمع المدني إلى كيان أجوف خال من أي معنى حقيقي، بل الأخطر من ذلك أنه قد يتحول إلى عدو يهدد حريات الأفراد بشكل لا يقل خطورة عن تهديد الحكومة المستبدة في غياب الديمقراطية.
حيث أن قوة المجتمع المدني لا تستغني عن وجود دولة قوية تحكمها سلطة ديمقراطية، والقوة كصفة للدولة لا تعني الإستبداد، وإنما تعني القدرة على الإستجابة لاحتياجات ومطالب المحكومين كما أن قوة المجتمع المدني لا تعني خروجه على النظام أو القانون القائم وإنما ترتبط قوته بالتزامه واحترامه لقواعد اللعبة السياسية السائدة (16).

خامسا: التسامح وعدم اللجوء إلى العنف
التسامح مفهوم كوني - قديم جديد - تطرقت لتأصيله، كل الديانات السماوية والوضعية، وكل المذاهب الفلسفية والفكرية، وذلك لما له من ارتباط وثيق بحياة الناس عامة، وبتعددها العرقي والديني والحضاري والإيديولوجي... إذ يحرص على إقامة مجتمع تعددي يقر الحريات الأساسية لسائر الأفراد والجماعات، ويضمن حق الجميع في ترسيخ قيم التسامح في العلاقات التي تربط بين مكونات المجتمع، وخلق الأجواء الملائمة لتكريس السلوك التصالحي، أو ما يعبر عنه بالتوافق  والتراضي، لجعل كل الطاقات تسير في اتجاه ايجابي يحول دون ضياع الجهد وإهدار الزمن في التنافر والمصادمات  والمعاكسات التي لا طائل من ورائها، ولا تستفيد منها أي جهة بل تؤدي إلى الجمود وإعاقة النمو والتطور.
فأعمال العنف والعنف المضاد التي تنتشر في شتى مناطق العالم، تنطوي في عمقها على نوازع أنانية، وحالات التعصب والانغلاق ودوافع الهيمنة التي تفسد مناخ التعايش والتساكن بين تيارات فكرية مختلفة، وقوى سياسية متعارضة، ومصالح اقتصادية متناقضة، فيحرص الطرف الذي يمتلك قوة السلطة أو الهيمنة أو النفوذ، في أي مجال من المجالات إلى إلغاء الآخر عن طريق تدميره، أو إقصائه، أو تحجيمه، وتهميشه مما يولد ردود أفعال قد تتخذ أشكالا ووسائل أكثر عنفا، وتؤدي إلى نتائج مأساوية.
وأمام تفاقم حالات التعصب والتطرف وما تؤدي إليه من تقتيل وتغريب، وإهدار للطاقات، ودوس على القيم الإنسانية، فقد أصبح شعار التسامح يطرح في إطار العمل على إطفاء البؤر المشتعلة هنا وهناك وإزالة بذور الأحقاد وفتائل المواجهات العنيفة، التي تخلف الكثير من الضحايا والدمار والمآسي ولا يستفيد منها أي أحد من الأطراف المتصارعة، مما يدعو لتلافي كل ذلك عن طريق مد جسور التحاور، وإيجاد سبل التفاهم والتواصل الإيجابي كبدائل لأعمال العنف، على أساس إقرار كل طرف مهما كانت سلطته، ونفوذه بوجود الطرف أو الأطراف الأخرى، وضمان حق الإختلاف وحرية التعبير، واحترام الرأي أو الإتجاه المغاير، وحماية الحقوق المشروعة والحريات الأساسية للجميع.
وقد برز التفكير في هذه القيم وغيرها بعد ما عرفه العالم من ويلات الحروب والدمار، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية التي توجت بتأسيس منظمة الأمم المتحدة سنة 1945، والتي أشرفت بناء على ميثاقها، وعدد كبير من العهود والمواثيق والاتفاقيات والإعلانات... و إصدار إعلان مبادئ بشأن التسامح المعتمد من قبل المؤتمر العام لليونسكو في 16 نونبر 1995، إذ نصت مادته الأولى في معنى التسامح على : "أن التسامح يعني الإحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والإنفتاح والإتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد، وأنه الوئام في سياق الإختلاف، وهو ليس واجبا أخلاقيا فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضا، والتسامح هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، ويساهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب.
إن التسامح لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل بل التسامح هو قبل كل شئ اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا، ولا يجوز بأي حال الإحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بهذه القيم الأساسية، والتسامح ممارسة ينبغي أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول.
إن التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية (بما في ذلك التعددية الثقافية) والديمقراطية وحكم القانون، وهو ينطوي على نبذ الدوغماتية والإستبدادية وتثبيت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
ولا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهي لا تعني تقبل الظلم الإجتماعي أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل تعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم، والتسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين، يطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهي تعني أيضا أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض على الغير".
ولذلك فقد قررت جميع الدول المنضوية في إطار منظمة الأمم المتحدة، والمصادقة على قوانينها ومواثيقها، وإعلاناتها... أن تنص في دساتيرها، وقوانينها على مبادئ وقيم التسامح.
ولتجذير قيم التسامح في المجتمع وترسيخها في الحياة اليومية لعموم الناس فيجب تهيء المناخ المناسب لعدة عوامل مؤثرة وأساسية منها :
1.      الديمقراطية السياسية: التي تقوم على التعددية العفوية وغير المفتعلة، وما تقتضيه من حرية الرأي والتعبير، وحرية الإنتماء، واحترام حقوق الإنسان، والإحتكام لصناديق الإقتراع بكيفية دورية، والتنافس الشريف والمتكافئ بين الهيئات السياسية، وفصل السلط، واستقلال القضاء، وتداول الحكم، واحترام الآراء المعارضة، وضمان حقوق الأقلية، وشفافية تدبير الشأن العام ...؛
2.      سيادة دولة الحق والقانون: التي تضمن تساوي الجميع أمام الأحكام القانونية عن طريق قضاء مستقل عن أي سلطة، ويتمتعون القائمون به بالنزاهة والإستقامة والكفاءة والسهر على تطبيق القوانين، ولا تترك المجال لأي انتقام أو عقاب بسبب التعبير عن الرأي، أو اتخاذ مواقف معارضة لذوي السلطة، أو انتقاد الرؤساء، ويؤدي التعود على احترام القانون إلى ترويض سلوك المسؤولين وذوي النفوذ في أي مجال، وضبط ممارساتهم، فلا تبقى تحت تأثير الأهواء الخاصة والنوازع النرجسية، التي تتأسس عليها ردود فعل بدائية، ومواقف انتقامية مجحفة، لأن القانون يرسم الحدود التي لا يمكن تجاوزها، ولو باسم السلطة أو النفوذ الرئاسي أو غيره (...)؛
3.      التوزيع العادل للثروات عن طريق تكافؤ الفرص، وتساوي الحظوظ أمام الجميع وتهيئ شروط العدل الإجتماعي والتنمية الشاملة المستدامة والمندمجة، والتي تقوم عل المشاركة في العمل المنتج والإستفادة من الثمار (17).
والتسامح هو الذي يجعلنا نطلق صفة مدني على المجتمع، فالمجتمع الذي تسوده روح المدنية هو المجتمع الذي يقبل فيه الأفراد والجماعات وجود آخرين يختلفون معهم في الرأي والمصلحة، كما يحترمون حقوقهم في التعبير عن وجهات نظرهم (...).
التنافس ليس عيبا لا يقلل من تضامن المجتمع ووحدته كما أنه ليس مشكلة إلا إذا تحول إلى صراع عنيف، وهذا يحدث في حالة خروج أطراف المنافسة على القواعد القانونية التي تحدد لهم القنوات السلمية للمشاركة والقواعد المقبولة والجائزة للسلوك (...) (18).
فالتسامح مطلوب كمبدأ ليس فقط في العلاقات والتعاملات السياسية والإجتماعية بين الحكام والمحكومين، ولكن أيضا بين الأفراد والجماعات وبعضهم للبعض، فكيف يطالب المجتمع المدني حكومته بالتسامح معه واحترام حقه في الإختلاف معها ونقدها لو لم يكن هو نفسه يسوده التسامح بين وحداته وعناصره المكونة له ففاقد الشيء لا يعطيه، ولا شك أن انتشار أمراض التعصب والتطرف وضيق الأفق داخل المجتمع المدني قد يؤدي إلى دفع الدولة بدورها نحو عدم التسامح مع الإختلاف لأنه أصبح خطرا يهدد استقرار الأمن والنظام في المجتمع ككل، فالعنف لا يولد إلا مزيدا من العنف (19).
إذا كان من حق منظمات المجتمع المدني أن تقوم بالإحتجاج على السياسة التي تتبعها السلطات العمومية في مجال ما، أو في مواجهة إحدى الظواهر السلبية في المجتمع، ومن حقها أيضا ممارسة الضغوط لتحقيق فوائد للمجتمع، ومكتسبات للشرائح الإجتماعية التي تدافع عن مصالحها، فإنها لا يمكن أن تستعمل في ذلك إلا الوسائل السلمية المتحضرة، والمتمثلة في رفع المطالب، وإبداء الملاحظات، والحوار مع الجهات المعنية، واستعمال وسائل الإعلام والإتصال لتوضيح مواقفها، ويمكنها أن تلجأ إلى التظاهر السلمي إذ اقتضى الأمر ذلك، ولا يمكن اللجوء إلى العنف مطلقا (...)
ولذلك فإن التنظيمات التي لا تتورع عن استعمال العنف، وتمارس الإرهاب بأي شكل من الأشكال، مهما كانت أهدافها المعلنة، لا يمكن أن تندرج ضمن المجتمع المدني، لأنها تجعل نفسها ضد أمن وسلامة واستقرار المجتمع، وبالتالي تكون ضد الأهداف النبيلة، والرسالة الحضارية التي يضعها المجتمع  المدني على عاتقه (20).

سادسا:  الشعور بالإنتماء والمواطنة
والمواطنة بدورها عرفت تأصيلات عدة في مختلف الثقافات والحضارات و ذلك لما تمثله من رابطة أساسية بين الإنسان، ومحيطه أو مسقط رأسه ونشأته أو دولة انتمائه...
ومفهوم المواطنة في العصر الحاضر يجد جذوره في الفلسفة اليونانية وفي الممارسة الديمقراطية البدائية في أثينا، رغم أنها كانت ناقصة إذ ذاك، وتعد الثورة الفرنسية من أهم المحطات التي ساهمت عن - طريق فلاسفة الأنوار- في تطوير مفهوم المواطنة، حيث تمت القطيعة مع الطقوس والعلاقات الفيودالية، وصدر بيان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1789م، فأصبح مفهوم المواطنة يشمل الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الإقتصادية والإجتماعية  والثقافية، مع إقرار مبدأ المساواة أمام القانون، وعدم إقصاء الأقليات أو أي فئة في المجتمع (21).
وتوبع بحث وتأصيل موضوع المواطنة كغيره من المصطلحات التي لها علاقة بالعيش الكريم للإنسان، عن طريق نضال الدول الحرة والمنظمات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة فبناءا على ميثاقها، أصدرت عدة إعلانات ومواثيق... وعهود... تركز وتصر على التطرق لتمتع الأفراد والجماعات في إطار دولهم... بمواطنة كاملة... ودون المساس بمرتكزاتها، وعلى رأس هذه الإعلانات الأممية : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 م، الذي ينص في مادته الثانية على أن " لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس، أو اللغة، أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر.
وفضلا عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلا أو موضوعا تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أم خاضعا لأي قيد آخر على سيادته".
ويركز الإعلان على موضوع الجنسية والإنتماء، حيث ينص في المادة 15على أن "لكل فرد التمتع بجنسية ما".
ولا يجوز تعسفا، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حق في تغير جنسيته".
كعادتها الدول المنضوية في إطار منظمة الأمم المتحدة تسارع دائما إلى المصادقة على جميع المواثيق والإعلانات والاتفاقيات... الدولية، إذ تنص في دساتيرها وقوانينها الوطنية على مبادئ الوطنية، وشروط تحقيقها والمحافظة عليها...
وبذلك فالمواطنة بمعناها الحقيقي هي مجموعة الحقوق والمسؤوليات التي تربط الأفراد بالدولة على قدم المساواة ويغض النظر عن الإختلافات بينهم (22) وإذا كان من الطبيعي أن تختلف نسبيا المتطلبات من دولة إلى آخر ومن زمن إلى آخر بسبب اختلاف الثقافات والحضارات والعقائد والقيم، ومستوى النضج السياسي فإنه لا بد من توفر مجموعة من المقومات الأساسية المشتركة، ووجود حد أدنى من الشروط التي يتجلى من خلالها مفهوم المواطنة في الحياة اليومية للمواطن وفي علاقتهم بغيرهم وبمحيطهم السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي، فالمساواة وتكافؤ الفرص، والمشاركة في الحياة العامة، والولاء للوطن من أهم مقومات المواطنة والمتعارف عليها عالميا.
وهذه المواطنة لا تتحق إلا بالتربية عليها، وأهم تربية هي التي يتبع فيها المواطن منذ الطفولة ويحدد المكتب الدولي للتربية (B.I.E) أربعة أبعاد للتربية على المواطنة وهي :
1.  حقوق الإنسان:  كونية حقوق الإنسان والمساواة في الكرامة والإنتماء إلى المجتمع؛
2.  الديمقراطية:  إعداد الفرد للحياة السياسية والمدنية؛
3.  التنمية:  اكتساب اليافعين والشباب الكفاءات والمؤهلات الضرورية لمواكبة التغيرات الإجتماعية والإقتصادية و التكنولجية لمحيطهم ومقومات التنمية المستدامة؛
4.  السلام: كنتيجة وسيرورة المواطنة المستمدة من حقوق الإنسان والهادفة للتنمية المستدامة (67).
والمواطنة تعتبر من أهم العناصر لتحقيق التماسك والترابط لإيمان الأفراد بأنهم يتمتعون بهوية مشتركة وأنهم قادرون على الدفاع عنها وحمايتها مقابل أداء واجباتهم والتزاماتهم نحو الدولة، فلكي يتبع الجزء الكل لا بد أن يعبر الكل عن مطالبه واحتياجاته.
وهذه الرابطة المعروفة بالمواطنة هي مفتاح تحقيق التماسك  في المجتمع ككل، حيث تغرس مشاريع الإنتماء إلى الجماعة الصغيرة في الشعور بالولاء للجماعة الكبيرة، ولكنه تماسك وتضامن تلعب فيه الإرادة الشخصية الدور الرئيسي لأنه مبني على الإتفاق الذي دخله الأفراد باختيارهم الحر لتأسيس منظمات وجمعيات تدافع عن مصالحهم الخاصة وتلتزم بالعمل في حدود النظام والقواعد القانونية المحددة للسلوك بحيث تحقق أهدافها بالوسائل السلمية المقبولة والمسموح بها دون اللجوء إل استعمال العنف وهو ما يعني الحفاظ على استقرار المجتمع (24).

سابعا : عدم السعي للوصول إلى السلطة
وعندما نريد ذكر مبدأ عدم السعي للوصول إلى السلطة تتبادر "إلى الذهن ن مقاربة المجتمع المدني والمجتمع السياسي أو بوصفة أخص، السؤال التالي: هل تعتبر الأحزاب السياسية عنصرا من العناصر المكونة للمجتمع المدني أم لا؟
فعند مراجعة المفاهيم والتعاريف الخاصة بالمجتمع المدني السابقة يتبن أنها تنقسم من حيث التصنيف التاريخي إلى قسمين: فالقسم القديم والحديث منها، يعتبر الأحزاب السياسية إحدى مكونات المجتمع المدني، في حين الجزء من تعاريف العصر الحديث والتعاريف المعاصرة تجعل بين منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية حدا فاصلا، فتعتبر الأحزاب السياسية من المجتمع السياسي وذلك نظرا لكون أهداف الجانبين تختلف وكذا منهج عملهما،
على الرغم  من كون أنشطة وأهداف المجتمع المدني لا تبتعد عن مجالات الشأن العام  وأن بعض الجمعيات تشكل أحيانا قوة ضاغطة على السلطات العمومية وتقوم بانتقاد العمل الحكومي فإنها لا تسعى من خلال ذلك للوصول إلى السلطة ومن هذه الزاوية يتميز المجتمع المدني عن الأحزاب السياسية التي من طبيعتها أن تعمل للوصول إلى الحكم (25).

ثامنا : الديمقراطية داخل المجتمع المدني
تعتبر الديمقراطية من أهم الأسس، والخصائص المعنوية التي من المفروض على منظمات المجتمع المدني أن تتصف بها وخصوصا الديمقراطية البينية أو الديمقراطية داخل المجتمع المدني، وديمقراطية المجتمع المدني تعتبر شرطا أساسيا لديمقراطية المجتمع ككل إذ أن الإختلاف مكون أساسي للأفراد والجماعات فيعتبر مصدرا للثراء والتنوع في الإبداع وتحقيق نتائج متنوعة... فمهما بلغت الجماعة من تماسك أو مصالح أو أهداف مشتركة لأفرادها فإن الإختلاف والتعدد من بين عناصرها وسماتها، وبذلك فالديمقراطية "الداخلية "تعتبر أساسية للتوفيق بين المصالح واحترام الحقوق والواجبات البينية، فلا بد لقيادة الجمعية أو أي منظمة مدنية أخرى أن تستمع، وتستشير وتحترم... آراء وملاحظات وتدخلات... باقي الأعضاء... والديمقراطية هنا، مهمتها الأساسية هي احترام وتطبيق القوانين التي أنشئت ديمقراطيا، وتحقيق أهدافها.

تاسعا: خدمة الصالح العام
ركزنا في مبدأ الطوعية على حرية وطوعية الإنخراط في منظمات المجتمع المدني، وأن العمل في إطار هذه المنظمات لا ينتظر منه ربحا ماديا رغم من بين ما يجمع الأفراد لتأسيس أو الإنخراط في إحدى هاته المنظمات هي مصالح شخصية... فإن مبدأ "خدمة الصالح العام" يجب أن يكون الهدف الأول والأسمى لدى المنخرطين والمؤسسين والناشطين. والصالح العام مفهوم عام يحتوي جميع المصالح المشتركة للمجتمع والمحافظة عليها وتطويرها إيجابيا، كما أنه لا يمكن لمنظمة مدنية واحدة أن تخدم مصالح المجتمع ككل لأنها لن تستطيع... وبذلك نجد منظمات وجمعيات قطاعية أو متخصصة في تحقيق أو خدمة مصالح محددة ومعينة لصالح المجتمع، كجمعيات الطفولة، الجمعيات النسائية الجمعيات الحقوقية... الجمعيات الرياضية... فهذه الأهداف والقطاعات وغيرها، كلها مصالح عامة...
وبذلك فإن هذه المبادئ والقيم التسعة اعتبرها كل المفكرين والباحثين كأسس وكأركان يتميز بها المجتمع المدني، فإن عدم احترامها جميعها أو ركنا منها يلغي مصداقية وجدية منظمات المجتمع المدني.


الهوامش:

1- د. علي حسني: أوجه الاستبداد والديمقراطية، تاريخ المؤسسات والتحولات الاجتماعية في العالم، مطبعة النجاح الجديدة، ط:1، الدار البيضاء، 1996، ص: 19.
2- ناهد عز الدين، عبر الرابط الإلكتروني : http //www.ahram.org.eg.
3- (ن.م.س).
4- د. محمد الغيلاني: محنة المجتمع المدني، مفارقات الوظيفة ورهانات الاستقلالية، سلسلة دفاتر وجهة نظر، رقم 6، مطبعة النجاح الجديدة، ط: 1، الدار البيضاء 2005، ص: 164.
5- د. محمد سبيلا: المغرب في مواجهة الحداثة، سلسلة كتاب الجيب، منشورات الزمن رقم 4، مطبعة النجاح الجديدة، ط:1، الدار البيضاء، يوليوز1999، ص: 46-47.
6- د. محمد الغيلاني: (ن.م.س)، ص: 165.
7- د. محمد سبيلا: (ن.م.س)، ص: 47.
8- علال الفاسي: النقد الذاتي، مطلعة الرسالة، ط: 4، الرباط، 1979م، ص: 56.
9- د. الحبيب الجنحاني: المجتمع المدني، والتحول الديمقراطي في الوطن العربي، سلسلة كتاب الجيب، منشورات الزمن، رقم: 49، ص: 14.
10- د. عبد القادر العلمي: في الثقافة السياسية، سلسلة كتاب الجيب، منشورات الزمن رقم 47، مطبعة النجاح الجديدة، ط: 1، الدار البيضاء 2005، ص: 171.
11- ناهد هاد عز الدين: (ن.م.س)،
12- د. عبد القادر العلمي: ( ن.م.س)، ص: 172.
13- (ن.م.س)، ص: 173.
14- (ن.م.س)، ص: 171.
15- ناهد عز الدين: (ن.م.س).
16- د. عبد القادر العلمي: (ن.م.س)، ص: 171-172.
17- ناهد عز الدين: (ن.م.س).
18- د. عبد القادر العلمي: (ن.م.س)، ص: 81-103.
19- ناهد عز الدين : (ن.م.س).
20- د. عبد القادر العلمي: (ن.م.س)، ص: 175.
21- (ن.م.س)، ص: 148-149.
22- ناهد عز الدين: (ن.م.س).
23- د. عبد القادر العلمي: (ن.م.س)، ص: 151-159.
24- ناهد عز الدين: ( ن.م.س).
25- د.عبد القادر العلمي : (ن.م.س.)، ص: 174.

إرسال تعليق

بالصوت والصورة

قصص وعبر

ركن النساء

 
copyright © 2014 نجمة نيوز