Top Ad

logo

هذا القالب هو معرب ومطور بواسطة مدونة مداد الجليد للحصول على دعم حول هذا القالب الرجاء زيارة مدونة مداد الجليد.

الاثنين، 2 يونيو 2014

الخصائص العامة للإقتصاد المغربي

نجيب المصمودي

الخصائص العامة للإقتصاد المغربي [1]

«بداية لابد من الإشارة إلى أن استقرار الإقتصاد الكلي شرطا ضروريا من أجل التنمية والنمو... فقد أدت التطورات في العقد الأخير إلى تغيير التصورات السائدة في العالم عن طبيعة سياسات الإقتصاد الكلي المرغوب فيها، فقد أظهرت الأزمة المالية  الآسيوية في نهاية التسعينيات وعملية الانهيار الاقتصادي في الأرجنتين في بداية هذا العقد، إمكانية أن تكون الإستراتيجيات المالية "الحكيمة" تحمل في طياتها احتمال نشوب أزمات. وأدى التركيز الواضح الذي تضعه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية والحاجة لتأمين تمويل كاف لعمليات التنمية إلى تغيير التركيز في أساليب إدارة الإقتصاد الكلي في الإقتصاديات النامية المفتوحة على النحو التالي:
v لابد من تطوير سياسات الإقتصاد الكلي ضمن إطار متسق، بحيث تكون السياسات المالية والنقدية وسياسات سعر صرف العملة المحلية وإدارة حساب رأس المال في ميزان المدفوعات متجانسة مع بعضها البعض؛
v يجب أن يكون الأفق الزمني متوسط المدى وأن يكون ضمن إطار عام يطرح الخطوط العريضة التي تنظم استراتيجيات نمو الإقتصاد الكلي والإنفاق العام؛
v يجب أن تحضى أهداف النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل بأهمية خاصة، وأن لا تتم التضحية بها من خلال التركيز الضيق على استقرار الإقتصاد الكلي والسيطرة على التضخم؛
v معدلات النمو الإقتصادي ليست هي القضية المحورية، بل نوعية ومصادر هذا النمو هي القضية المركزية،  ولذلك فإن معدل نمو متوسط ومستدام، يضمن خلق فرص عمل، ويخفض مستويات الفقر يكون مفضلا على معدل نمو أعلى ولكن يؤدي إلى درجة أكبر من عدم المساواة في الدخول؛
v يجب أن يكون الهدف الأساسي لمعظم البلدان النامية هو خلق فرص عمل منتجة تؤدي إلى "عمل لائق"، هذا ويتطلب أكثر من مجرد وضع سياسات للإقتصاد الكلي، فالسياسات الصناعية (التي تؤمن حوافز مدروسة من أجل تشجيع الإستثمار)، والسياسات المالية كلتاهما تلعب دورا مهما في هذا المجال، إذ يجب الإقرار بأهمية الإنفاق العام وتوجيهه نحو القطاعات الحيوية لبناء رأس المال الاجتماعي في التعليم والصحة والترويح؛
v يجب أن تتماشى السياسة النقدية مع السياسة المالية، ويجب أن تكون كلتا السياستين موجهة نحو خلق فرص عمل وحماية مستويات المعيشة وتحسينها وتقليص رقعة الفقر، وهي أيضا تعني أن عملية استهداف التضخم بحد ذاتها لا يمكن أن تكون الهدف المحوري للسياسات النقدية؛
v كل سياسات الإقتصاد الكلي يجب أن تعير اهتماما كبيرا لاعتبارات المساواة والإنصاف، إذا ما افترضنا أن الحد الأدنى من الأهداف التي يرمي إليها راسم السياسة الإقتصادية الكلية في أي بلد (متقدم أو نام) تتلخص في خمسة أهداف رئيسية:
1.  الحفاظ على مستوى قريب من مستوى التوظيف الكامل لقوة العمل؛
2.  الحفاظ على مستوى عال من الإنفاق الإستثماري (عام أو خاص)؛
3.  الحد من مقدار العجز في ميدان المدفوعات؛
4.  مكانة واحتواء الضغوط التضخمية في الإقتصاد القومي؛
5.  تخفيض حدة الفقر وحماية مستوى معيشة المواطن.
ونقطة البدء في تكوين تصور مبدئي عن الصورة الكلية للإقتصاد القومي تتمثل في محاولة تركيب معادلة الناتج المحلي الإجمالي في الأجلين القصير والمتوسط [2]».
تميز الطابع الإقتصادي المغربي منذ الاستقلال وحتى الآن بنهج سياسة الإقتصاد الليبرالي، وخصوصا اعتماد مبادئ المدرستين الغربيتين : الكلاسيكية الجديدة والكنزية الجديدة.
كما تميز مسار الإقتصاد الكلي للمغرب منذ الإستقلال وإلى الآن بثلاث مراحل كبرى: تمتد الأولى من سنة 1955 إلى سنة 1982، وتمثل مرحلة بناء اقتصاد عصري، يتسم بتوسيع في الميزانية، ويحمل في طياته عدة اختلالات، أما المرحلة الثانية، المتراوحة بين 1983 و1993، فتعد مرحلة التقويم الهيكلي والاستقرار الماكرو اقتصادي، الذي اعتمده المغرب، وتبدأ  المرحلة الثالثة من سنة 1993 وحتى الآن، وهو التاريخ الذي شرعت فيه البلاد في الاستفادة من استقلاليتها الماكرو اقتصادية، لمواصلة انفتاح الإقتصاد وتحريره، وتتميز كل واحدة من هذه المراحل الثلاث بسياسات حاسمة، تتعلق بالميزانية والضرائب وبالجانب النقدي [3].
فالخاصية الرئيسية المميزة للنمو الإقتصادي للمغرب منذ الإستقلال وحتى الآن تتمثل في شدة تأرجحه، فقد تحددت نسبة النمو في 2.9 % ما بين 1960 و1966، لتبلغ نسبة 5.7 % من 1967 إلى 1975، ولتتراجع إلى 2.7 ما بين 1988 و1995 ثم لترتفع من جديد ما بين 1996 و2012 بمعدل ما بين4 و5 %  [4].
وذلك راجع بالأساس إلى خصائص الإقتصاد المغربي، والسمات الأساسية للرأسمالية المغربية المتمثلة في: التركيز الاقتصادي والمالي، غلبة الطابع العائلي، بروز المجموعات المالية، والتراكم غير المنتج لرأسمال [5]، انتشار اقتصاد الريع، اقتصاد مفتوح وضعيف التنافسية، غياب الحكامة الجيدة، بطء الإصلاحات [6]، كما أنه يعرف الهشاشة (الإقتصاد) الناجمة عن التقلبات المناخية لارتباطه الشديد بالقطاع الفلاحي [7]. إضافة إلى أن التوجهات السياسية للدولة المغربية ظلت تحكم السياسة الإقتصادية على امتداد الفترة من سنة 1956 إلى سنة 1983، إذ كانت محكومة بخاصية الحمائية والتدخل الواسع للدولة في التسيير الإداري والإقتصادي، مما أدى إلى أزمة عاناها القطاع العام والتي ترجع بالأساس إلى أخطاء وخلل في الهياكل، وعدم تحديد المسؤوليات تحديدا دقيقا، والخلط بين مهام الإدارة ومهام المراقبة، وعدم ملائمة قواعد المحاسبة لأوضاعه وسوء تطبيقها من قبل من عهد إليهم ذلك [8].
لكن انطلاقا من أواخر سنة 1983 تبلور توجه جديد في إدارة الفضاء الإقتصادي، إذ بعد انخراط المغرب في برنامج التقويم الهيكلي (1983-1993) راجعت الدولة منظومة سياستها الإقتصادية، وكان من عناصر هذه التوجهات تقوية الاهتمام بجلب الإستثمارات الأجنبية، واعتمادها كآلية للاندماج في الإقتصاد العالمي، وكمورد مالي يمكن من تجاوز تقلص الموارد المالية الداخلية والخارجية، هذا التوجه الجديد اقتضى من الدولة تحسين آليات جذب هذه الاستثمارات، وشكلت العناصر الاقتصادية والمالية أحد محاوره الأساسية [9].
كما أن المغرب عرف منذ حصوله على الاستقلال تحولا ملحوظا في مجال اختياراته الإقتصادية والاجتماعية ففي ظل الحماس المتولد عن الاستقلال السياسي وعن مبادئ حركة عدم الانحياز والتفاؤل ببناء نظام اقتصادي وطني متحرر من التبعية نحو القوى الإستعمارية القديمة، تكرست إستراتيجية التحرر الاقتصادي.
 ففي هذا الصدد حصل توافق بين مختلف القوى الإجتماعية المتحالفة التي تتكون من الفلاحين الكبار والأحزاب الوطنية والبورجوازية المحلية، وفئة من التقنوقراط تلقت دراستها في المعاهد الأوروبية، على برنامج موحد، مستهدفة القضاء على العوامل المؤسسة للتبعية الإقتصادية الموروثة عن عهد الحماية، وبناء قواعد التنمية، وقد كان من أولويات هذه الإستراتيجية المرور عبر التصنيع لبلوغ التنمية، هذا التصنيع الذي حرم منه المغرب في ظل الهيمنة الفرنسية والدولية وسياسة الباب المفتوح [10].
فالمغرب منذ استقلاله عرف عدة إصلاحات همت المجال الإقتصادي كانت لها محطات واضحة في التاريخ المغربي المعاصر تمثلت ومنذ البداية في التأسيس لنخبة اقتصادية مغربية قادرة على المنافسة وتعويض مقاولي واقتصادي عهد الحماية، كما أنه لم يكن ممكنا قبل بداية السبعينيات، أن نشهد بعض محاولات الإصلاح في المجال الإقتصادي، والتي يعود معظم إملاءاتها سواء إلى الاضطرابات السياسية الداخلية (المحاولات الانقلابية سنتي 1971 و1972 وأحداث خنيفرة 1973) والتي توجت بإعلان الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1973 قرار مغربة المقاولات، فلم يعد للرأسمال الأجنبي مع هذا القرار الحق في امتلاك أكثر من نصف أسهم أية شركة عاملة في المغرب؛ أو إلى الإكراهات الخارجية وشروط المؤسسات المالية الدولية (برنامج التقويم الهيكلي من سنة 1983 إلى 1993) أو إلى ضغط الشارع وحسابات القوى النقابية (1984 والحوار الإجتماعي 1995) أو إلى التزامات المغرب الإقليمية والدولية (الانخراط في المنظمة العالمية للتجارة OMC سنة 1994، وعقد اتفاقيات الشراكة مع الإتحاد الأوروبي سنة 1996، والحصول على الوضع المتقدم سنة 2008، واتفاقيات التبادل الحر مع بعض البلدان العربية وتركيا والولايات المتحدة...) أو أيضا إلى الخيارات الإستراتيجية الوطنية (المبادرات الإصلاحية منذ حكومة التناوب سنة 1998 وإلى الآن) [11].
كل الإصلاحات السابقة توجت بإصلاحات مرافقة همت بالأساس العمل على تحرير المبادلات التجارية، والتقليص من السياسة الحمائية التي جاءت مرافقة مع اتفاقيات التبادل الحر، ونهج سياسة الخوصصة والحد من الإحتكارات العمومية والتي كانت نتيجة، لفشل الدولة في تدخلاتها في التدبير الإقتصادي في مرحلة ما بعد الإستقلال، والتي انطلقت عند خطاب ملكي بتاريخ 08/ 04/ 1988، ودخل قيد التنفيذ سنة 1993، وكذا إصلاح الضريبة والمنظومة المالية المحلية، وقوانين الإستثمار والتي خلقت تشجيعا للإستثمار، وفعالية مالية، إضافة إلى الإصلاحات القانونية والمؤسساتية، والسياسية...
وقد أدت هذه الإصلاحات جميعها خلال مراحل مختلفة من التاريخ الإقتصادي المعاصر للمغرب، وبطريقة تدريجية إلى التمهيد لحركية مقاولاتية قادرة على التنافس وتحديث المجال الإقتصادي، وكل المجالات المرافقة له، كما أنها تعتبر مؤسسة لأرضيات، وثقافات الذكاء الترابي، والتسويق الترابي، والمقاولة المواطنة، وبنيات اقتصادية، وترابية مؤهلة للإستثمار الخارجي، والداخلي [12].

المراجع والهوامش



[1]-  نجيب المصمودي، التسويق الترابي ورهان التنمية المحلية المندمجة بالمغرب (المقومات- التحديات- الرهانات)، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، تخصص تدبير الشأن العام المحلي، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، طنجة، جامعة عبد المالك السعدي، السنة الجامعية: 2012- 2013، صفحات: 106-107-108- 109.
[2]- د. محمود عبد الفضيل، سياسات الاقتصاد الكلي والنمو في المنطقة العربية. ضمن مؤلف جماعي، سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية رؤية للمستقبل، تحرير د. محمود عبد الفضيل،  دار العين للنشر، القاهرة 2012، ص. 15- 16.
[3]- المملكة المغربية، المغرب الممكن، إسهام في النقاش العام من أجل طموح مشترك، تقرير الخمسينية، ط.1، مطبعة دار النشر المغربية، 2006 الدار البيضاء، ص. 142.
[4]- المغرب الممكن، نفس المرجع السابق، ص. 138.
[5]- محمد سعيد السعدي، قرن من تطور الرأسمالية المغربية (1912- 2012)، مجلة وجهة نظر، العدد 52 ربيع 2012، ص. 25.
[6]- د. إدريس بنعلي، مشاركة في ندوة "سؤال التغيير الديمقراطي ومهام القوى اليسارية والديمقراطية"، جريدة المساء، العدد 1996، السبت والأحد 23- 24/ 02/ 2013، ص. 6.
[7]- المغرب الممكن، نفس المرجع السابق، ص. 138.
[8]- د. أحمد بوعشيق، المرافق العامة الكبرى، ط. 8، مطبعة دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 2004، ص. 129.
[9]- د. جواد النوحي، نفس المرجع السابق. 39.
[10]- عبد السلام أديب، السياسة الضريبية وإستراتيجية التنمية، دراسة تحليلية للنظام الجبائي المغربي 1956- 2000، ط. 1، إفريقيا الشرق، 1998، ص. 45.
[11]- نور الدين أفاية وإدريس الكراوي، النخبة الاقتصادية المغربية، دراسة حول الجيل الجديد من المقاولين، ط. 1، مطبعة البيضاوي، 2011، ص. 62.
[12]- نور الدين أفاية وإدريس الكراوي، نفس المرجع السابق، الفصل الأول من الكتاب.

نجيب المصمودي


إرسال تعليق

بالصوت والصورة

قصص وعبر

ركن النساء

 
copyright © 2014 نجمة نيوز