زمن الرداءة
إن أسوأ ما يمكن أن يتجرعه المرء في حياتنا الراهنة هو القبول بالرداءة، الرداءة في الأداء وفي الإنتاج وفي العطاء وحتى في تبني فكرة والتخطيط لبلورتها على أرض الواقع، الرداءة في القول والفعل. فالرداءة باتت تحاصر أسماعنا وأنظارنا وأحاسيسنا في شتى مناحي الحياة، أهلها فاقوا أهل الجودة والصلاح بأعداد كثيرة، والتصفيق لها صار طاغيا في العديد من المناسبات حتى إذا ماعارضها أحد كان التبخيس والتحقير والقذف بالجهل والتخلف هو الجزاء .
في زمن الرداءة شاع الفكر المنحط والذوق الوضيع والتقييم غير السليم للأمور والأشياء، وفي هذا الزمن طغى القبح والرذيلة وقلة الحياء وتفشت مظاهر الرجعية تحت غطاء الحضارة والتقدم والحداثة .
إعلام رديء يهدف إلى تسطيح وعي الشعوب ويكثف العناية بالأخبار التافهة مع الإهتمام بالقضايا والمواضيع البعيدة عن صلب الواقع والإنشغال العام، سعيه الحثيث متركز في جلب أكبر قدر من المشاهدين والمستمعين والمعجبين والمعلقين كسبا للربح المادي وإقصاء لقواعد الدين والأخلاق والقيم …
فن مائع لايقل رداءة عن الإعلام، مهووس بنشر الفتن والفحش وصور العري تحت مسمى الأناقة والموضة والحرية المشروعة والسلوك المقبول، يهدم ولا يبني، يفسد ولا يصلح، ينحرف بالعقول في اتجاه منحرف يقود إلى الهاوية…
سياسة رديئة، حكومات تقول مالا تفعل، تعد ولا تفي، فساد مالي وإداري، نهب واختلاس لثروات البلاد وانصراف بدون عقاب ومحاسبة . تأرجح واضح بين إحقاق الحق وإبطال الباطل وبين الإعتراف بالحقوق والتملص من المسؤوليات، تقشف هنا وترف هناك، بؤس هنا وبذخ هناك، قمع وهراوات ترفع في وجه المطالبين بمكاسب خولها القانون…
مجتمع رديء أناسه يغيرون جلودهم ألف مرة حسب المصالح التي يطمحون لقضائها، يدوسون على العفيف وينحنون احتراما للفاسد المفسد، لا يعترفون بشيء إسمه ” المبادئ” و لايعتبرون بما له ارتباط بالإنسانية وجوهرها، شغلهم الشاغل تتبع عورات الناس والتجسس على أخبارهم وحشر أنوفهم فيما لايعنيهم، قذف وتشويه للسمعة بلا ذنب مقترف، استرخصوا الغالي وضلوا الطريق فما عرفوا للسعادة والسكينة والإستقرار معنى، لوثوا كل القيم ومنحوها تسميات مستحدثة سرعان ما يُكشف الغطاء عنها فُُُُيفضح المستور الذي لاصلة له بها من الأساس بقدر ما له رباط وثيق بالبذاءة.
إنه زمن الرداءة، الزمن الذي تضيع فيه الحقيقة والمصداقية وينتشر فيه النقيض، الزمن الذي نفقد فيه طعم الاستمتاع بالأشياء الجميلة الرائعة، ونحن نكتوي بنار القبول به رغما عنا في انتظار أن تستعيد الجودة والصلاح واللذة بريقها وبهاءها ومجدها على أيدي جنود الخفاء الذين لابد أن يكون لليلهم الطويل نهار.
رينكونيوز - أسماء التمالح
إرسال تعليق