لتعليم مهنة شريفة عرفتها الحضارة الإنسانية منذ أقدم العصور، وهي تلزم الممارس لها بمجموعة من الإلتزامات الأخلاقية لكونه صاحب رسالة، وتجبره على التقيد بعدة مسؤوليات حفاظا على شرف المهنة . والمدرس عموما هو قدوة للطلاب على وجه الخصوص وللمجتمع بشكل عام، وهو أحرص الناس على التمسك بالقيم النبيلة والمثل العليا حتى تشيع بين الناس ويحترمونها ما استطاعوا .
قضايا التعليم متشعبة ومتعددة والقطاع يرفل بالمشاكل والتعقيدات، لذا كان لابد من تسليط الضوء على جوانب من هذه القضايا واستيقاء ارتسامات وتصورات على لسان رجال التعليم، باعتبارهم الأدرى بما يجري والأعلم بما يحصل بل والأكثر تعايشا مع الواقع التعليمي المرير .
أحمد الطود أستاذ متقاعد مارس التعليم لمدة واحد وأربعين سنة، غادر المهنة بانطباع شديد الإيلام مفاده أن التعليم فسد حتى لا رجاء في شفائه من هذا الفساد الذي اعتبره – الطود – أخطر على المغرب من الإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وذلك لانعكاسه لا على الحاضر فقط بل على المستقبل .. مستقبل المغرب .
يقول أحمد الطود: ” شخصيا .. أرى أن أولي الأمر في وزارة التربية الوطنية، هم من يتحمل مسؤولية هذا الإنحطاط الفظيع الذي أفرغ العملية التربوية من مضمونها النبيل .. لقد ضربوا عرض الحائط بكل المقترحات البناءة التي تمخضت عنها مجالس التشاور والتنسيق ومنتدى الإصلاح والجودة ليصلوا سريعا إلى مادعوه بمدرسة النجاح كشعار أجوف لذر الرماد في العيون، فيما تؤكد القرائن أن شهادة الباكلوريا ليست كما قال الأستاذ عبد الله الدامون سوى شيك بدون رصيد عند الغالبية العظمى من حملتها .
وإذا كنت أحمل وزارة التربية الوطنية مسؤولية ما آل إليه التعليم، فهذا لايبرئ أطرافا أخرى كالسياسة العامة التي تنعت دوما زورا وبهتانا بالرشيدة للحكومات المتعاقبة، والإعلام كجزء من تلك السياسة مساهم بفعالية في انهيار القيم النبيلة داخل الأسر والمجتمع عموما . ولا أنسى أولئك المجرمين الذين يبيعون النقط لتلاميذهم عن طريق ما يسمى بالسوايع الخصوصية ” .
مصطفى الغرافي أستاذ اللغة العربية بالتعليم الثانوي، يطرح تساؤلات عديدة ويستفسر عن جدوى تدريس الأدب في المدرسة المغربية اليوم، يقول الغرافي :
“لماذا ندرس الأدب اليوم في المدرسة؟
وهو سؤال معضلة يواجه المهتمين بحقل التربية والتعليم بصفة عامة، والمشتغلين بالأدب بصفة خاصة . وإن كان يهم بصفة أخص اللغات الذين توكل إليهم مهمة تنفيذ البرامج الدراسية، ومنها تدريس النصوص الأدبية .حيث تواجههم عند تدريسهم لهذه المادة مشاكل جمة، تجعل الأسئلة تتناسل أمامهم فلا يستطيعون وقف سيلها الجارف ….
إن غاية تدريس الأدب تتمثل في تقريب القيم الجمالية والمعرفية التي تنطوي عليها النصوص بمختلف أشكالها وأجناسها، وتحفيز التلميذ على الكشف عنها وتعلم اللغة من خلالها .وقد ترتب عن اختلاف المنطلقات النظرية وتباين المرجعيات الفكرية اختلاف الغايات التي يتوخاها كل فريق من تدريس الأدب .
وهو ما يتطلب من القائمين على وضع البرامج الدراسية مراعاة خصوصية المستهدف (التلميذ) مادامت الغاية من درس الأدب نقل الثقافة إلى الجيل الصاعد بما هي قيم وذوق وإحساس بالجمال .
نحن بالفعل محتاجين إلى إعادة طرح السؤال عن علاقة الجامعة بالوظيفة ؟ كما أننا مطالبون بفتح ملف تدبير الدولة لمسألة الشواهد الجامعية، فهي تغرق السوق بالشواهد لتعويم قيمة الشهادة كما تعود العملة في الأسواق .
شواهدنا أصبحت بلا قيمة، وحاملوها لا يعكسون المستوى العلمي المطلوب .”
أستاذة التعليم الثانوي” أمل الأخضر” تتأسف على شيوع ظاهرة العنف الممارس ضد رجال التعليم من طرف تلامذتهم وتقول في الموضوع: ” العنف الممارس ضد رجال التعليم، بكل أسف، من طرف تلامذتهم، ماهو إلاحصيلة، إلا إعادة إنتاج، للعنف المادي والرمزي الممارس على الطفولة المغربية في محيطها الإجتماعي بكافة مؤسساته: الأسرة، الشارع العام، أماكن اللعب، المدرسة، وسائل الإعلام ..الخ.
وهو بهذا المعنى ظاهرة اجتماعية عامة ومركبة، تتقاطع فيها الأدوار، وتتبادل خلالها المسؤوليات. والطفل، باعتباره كائنا قاصرا في حاجة للرعاية والتربية والحماية، ماهو في آخر المطاف سوى حلقة ضعيفة، سوى ضحية لهذا المجتمع العنيف. ومن هنا تبرز الضرورة القصوى لتظافر جهود المجتمع برمته لاجتثات العنف من المواقف والمسلكيات، وسن التشريعات الكفيلة بالحد منه ومحاربته، ووضع ميثاق قانوني شامل لحماية الطفولة من آثاره المدمرة، مع تسخير الوسائط الثقافية ووسائل الإعلام للنجاح في هذه المعركة المصيرية الضامنة لبناء مستقبل أفضل .
وهكذا لايمكن إطلاقا أن نترك أسرة التعليم وحيدة، في سياق مفارق يهدم ما تبنيه، دون تضامن مجتمعي عام، ونحملها المسؤولية حصرا للنجاح في هذه المعركة المعقدة التي هي بالأساس تعنينا جميعا . الدولة بمختلف هيئاتها طرف، والمجتمع المدني بكل مكوناته طرف، والمواطنون كافة أطراف لرفع هذا التحدي ” .
أبو الخير الناصري( أستاذ بالتعليم الثانوي الإعدادي) له رؤية خاصة حول رجال التعليم وواقع التعليم ببلادنا، يحدثنا عنها ويقول :
” رجال التعليم ليسوا ملائكة، ولكنهم بشر يصيبون ويخطئون . وبعض الإتهامات التي تلاحقهم هي اتهامات صحيحة، لكن العيب والخطأ الكبير فيها هو تعميمها على رجال التعليم كافة ومحاولة تصوير رجل التعليم على أنه المسؤول الوحيد عن تخلف المجتمع وانحطاطه على جميع المستويات، وهذا كلام راج كثيرا في السنوات الأخيرة، ويروج له بين الحين والآخر .
هل يمكن لرجال التعليم وحدهم أن يصلحوا المجتمع كله؟
كيف يمكن لرجل التعليم – مثلا – أن ينشئ طفلا على فضائل التسامح والحوار ومكارم الأخلاق إذا كان هذا الطفل يجلس في منزل أبويه، أو في نوادي الأنترنيت، ساعات طويلة، بكامل الحرية ليتفرج على أشرطة تقوم مضامينها على الخلاعة أو العنف وحل المشكلات بقوة المال والسلاح، لابقوة العقل والمنطق؟
كيف لرجل التعليم، مثلا، أن يزرع في نفوس تلاميذه أزهار الوطنية والكرامة ويبعدهم عن الغش والتدليس وهم يعيشون في مجتمع يقوم كثير من سياسييه، وفنانيه، ورياضييه، ورجال أعماله وغيرهم بسلوك مختلف أساليب الخداع والغش لتحقيق أهدافهم ؟
كيف لهم أن يربيهم على أن الرشوة حرام وجريمة أخلاقية وهم يسمعون أن آباءهم لايحصلون على رخصة بناء، أو وثيقة إدارية، إلا بعد دفعهم رشوة للموظف الفلاني أو المهندس الفلاني ؟..
ثم إننا كثيرا ما ننسى أن رجال التعليم لهم مشكلاتهم وإكراهاتهم في العمل والحياة، ويشتغلون أحيانا في ظروف صعبة، بل قاسية جدا في بعض الحالات، ولذلك فعندما نحاول أن نتخذ منهم مشجبا نعلق عليه فساد المجتمع، فإننا بذلك نخادع أنفسنا، ونبحث لها عن طهرانية زائفة .
إن مظاهر الفساد الذي يشيع اليوم في المجتمع يتحمل مسؤوليته المجتمع كله أفرادا ومؤسسات ” .
إرسال تعليق