باحث في القانون العام
متخصص في تدبير الشأن العام المحلي
najib.elmasmoudi@gmail.com
najib.elmasmoudi@gmail.com
حقوق الإنسان بين حصيلة التجربة المغربية وانتظارات المجتمع المدني 5/2
عرف المغرب منذ استقلاله حتى الآن ستة دساتير (1962، 1970، 1972، 1992، 1996، 2011) تنص كلها على مبادئ حقوق الإنسان [1]، وحرية الأفراد والجماعات، حيث لم تغير الدساتير الثلاثة الأولى طبيعة الحقوق والحريات التي نصت عليها، إلا أن دستور 1992 سيأتي بجديد في ديباجته أكد فيه على اعتراف المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، لكن نقطة التحول ستبدأ مع المراجعة الدستورية لسنة 1996، وهي تأكيده في الديباجة على نفس المبدأ السابق، وإضافة مبدأ حقوقي جديد وحرية أخرى وهي حرية المبادرة الخاصة، وبذلك سيؤكد المشرع الدستوري على تشبث المغرب باقتصاد السوق وتقويته وجعله يتمتع بقوة دستوريه [2]، في حين أن الدستور الجديد لفاتح يوليوز 2011، هو الذي وضع معالم "دستور اقتصادي مغربي"، تتوزع مقتضياته بين وضع المبادئ التي يتعين أن يتأسس عليها الإقتصاد إسوة بالمنهجية المتبعة في العديد من الدساتير العالمية، ثم بين تضمينه مقتضيات تهم تخليق الحياة الإقتصادية في مسعى الإستجابة لمتطلبات الشفافية والحكامة الجيدة التي تشكل جزء من خطاب الدولة، وجزء من شعار بعض فئات النخبة السياسية، ومعها العديد من مواقف وتصريحات فاعلين اقتصاديين واجتماعيين [3].
فباعتبار الوثيقة الدستورية كمدخل أساسي لتخليق الإقتصاد وآلية تمكن من الإعتراف بمساواة الفرص والقدرة على تحقيق مساواة النتائج في المجال الإقتصادي، واستباق المستقبل وإعادة الطمأنة لاشتغال جيد في الفضاء العمومي، فبقدرة فعالية الدستور يتحدد مستوى أداء الإقتصاديات...
لذلك فإن دستور 2011، أسس وأكد من خلال مقتضياته على مجموعة من المستجدات القوية لبناء دولة الحق الإقتصادي، من خلال تخليق الحياة الإقتصادية عبر إصلاح المنظومة القضائية والتأسيس لمؤسسات ومبادئ الحكامة الجيدة وخاصة في مجال المرافق العمومية [4]...
ومن ذلك ينص الفصل 35 من الدستور الجديد على أن «يضمن القانون حق الملكية؛ ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الإقتصادية والإجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون؛ تضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر. كما تعمل على تحقيق تنمية بشرية مستدامة، من شأنها تعزيز العدالة الإجتماعية، والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، وعلى حقوق الأجيال القادمة؛ تسهر الدولة على تكافؤ الفرص للجمع، والرعاية الخاصة للفئات الإجتماعية الأقل حضا»، وكذلك يؤكد الفصل 36 على أنه «يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي. على السلطات العمومية الوقاية، طبقا للقانون، من كل أشكال الإنحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الإنحرافات. يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والإمتياز، ووضعيات الإحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الإقتصادية. تحدث هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها».
يتبين مما سبق أن دستور 2011 سعى إلى ملء الفراغ القانوني في العديد من المجالات المرتبطة بالإقتصاد، حيث أن المبدأ العام هو التركيز على ضرورة بناء دولة الحق الإقتصادي، لكن أهمية تفعيل وتنزيل القواعد التي أوردها والمبادئ التي أسسها تتوقف على ممارسات مختلف الفاعلين والمتدخلين، فالنص الدستوري لا يكفي لوحده لتخليق الإقتصاد، والحد من مختلف أنواع الإنحرافات المالية والإقتصادية، فلا يمكن تحقيق تقدم ملموس ودائم، إذا لم يترافق مع إرادة الفاعلين في الإلتزام بمقتضيات الدستور وتنزيله طبقا لمعايير المصلحة العامة، والعمل بما يتماشى وضرورة تحقيق التنمية المنشودة على المواطنة الإقتصادية، وأنه يتعين لتحقيق التنمية أن تحدد العلاقة داخل الحقل الإقتصادي على قواعد المساواة والمنافسة الحرة والشفافية وتفعيل إصلاح منظومة العدالة والإدارة، وفتح الحقل الإقتصادي وتحريره...، وهي مطالب تجد مرجعيتها في العديد من التقارير الوطنية والدولية [5].
المراجع والهوامش
[1]- نجيب المصمودي، التسويق الترابي ورهان التنمية المحلية المندمجة بالمغرب (المقومات- التحديات- الرهانات)، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، تخصص تدبير الشأن العام المحلي، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، طنجة، جامعة عبد المالك السعدي، السنة الجامعية: 2012- 2013، صفحات: 14-15-16.
[2]- د. عمر بندورو، حقوق الإنسان والحريات العامة، دراسة ووثائق، ط. 2، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 2002، ص. 151.
[3]- د. جواد النوحي، دور مقتضيات دستور 2011 في تخليق الحياة الإقتصادية، ضمن كتاب جماعي: دستور 2011: النص والبيئة السياسية، سلسلة بدائل قانونية وسياسية، العدد 2، نفس المرجع السابق، ص. 99.
[4]- د. جواد النوحي، دور مقتضيات دستور 2011 في تخليق الحياة الإقتصادية، نفس المرجع السابق، صفحات من 100 إلى 104.
إرسال تعليق