محمود عبابو - الرنكونيوز
تابعت حلقة برنامج "مباشرة معكم" والتي خصصت لموضوع التكفير و النقاش المثار حول الإرث, وكان من بين ضيوفها المفكر الأمازيغي وكاتب حركة ضمير أحمد عصيد وكذلك الشيخ السلفي محمد الفيزازي ولعلني سأركز في كلامي هنا على هذين الشخصين لأحاول أن أطرح مختلف وجهات النظر وكذلك اتفاقي من عدمه حول ما جاء على لسانيهما .
أشير بأننا أمام الفيزازي 2.0 في نسخته المعدلة بعد خروجه من السجن وكما يعلم الجميع فخطابه أصبح أكثر اعتدالا مما كان عليه, لكن وخصوصا أكثر تمخزنا وتغنيا بالاسطوانة الرسمية. وفيما يخص عصيد فالرأي السائد هو انه ذلك العلماني والعلماني تعني بالضرورة كافر في العقل الجماعي.
فيما يخص التكفير فعصيد ربط التكفير الشفوي بالمادي وانه دعوة صريحة للقتل وبأن التكفير غريب على المجتمع المغربي المكون من توجهات عدة مستدلا بحجم الاستنكار الذي أعقب فيديو المسمى أبو النعيم, و أشار أن خطابات من هذا النوع أسقطتها الدولة الحديثة التي بنيت على أساس مفهوم المواطنة الذي يضمن المساواة و عدم التمييز بين الناس أمام القانون سواء على أساس عرقي أو ديني, مشيرا بأن الدولة الدينية فشلت في مسايرة العصر وبأن الدين يجب أن يخضع لمراجعة لأنه أصبح فاقدا للإنسانية أي بتعبير أخر الخطاب الديني السائد لا يتماشى مع العصر و المتغيرات التي تسقط طبيعيا العديد من الأمور التي كانت جائزة و مفروضة في زمن كانت متطلباتها قائمة كذلك. كما وجه المفكر الأمازيغي الحداثي دعوة صريحة لمراجعة كيفية تلقين الدين في المقررات التربوية لكي ننتج أو نخلق شخصية وطنية متشبثة بالوطن وليس بإيديولوجية معينة بل بالوطن على اختلاف أطيافه وأفكاره. وفي مسألة الإرث أكد عصيد على أن دعوة لشكر للمساواة ليست جرما معللا كلامه بأن الدين جاء لرفع الظلم عن الناس و أن الواقع يبين أن النساء في زمننا الحالي متساويات مع الرجال و بالتالي من الظلم أن لا نراعي الظروف المجتمعية التي تعيشها حالات عديدة من نساء الوطن.ليخلص إلى وجوب استعمال الدين بطريقة إنسانية لأنه حسب قوله ذلك هو القصد من الدين أن يكون إنسانيا.
والتكفير بالنسبة للشيخ الفيزازي ينقسم إلى قسمين هما تكفير النوع وتكفير العين موضحا أن التكفير ليس من اختصاص العوام بل وحتى العالم أن لم يكن قاضيا أي أرجعه للمؤسسات الوطنية ولإمارة المؤمنين. و حسب الشيخ فموضوع الإرث محسوم لأنه لا يمكن مراجعة الأحكام الإسلامية الواضحة بنص قراني صريح وأن مثل هذه النقاشات لا حاجة للمغرب بها لأننا نعيش الاستقرار والأمن لأن من شان نقاشات كهذه أن تحدث شرخا في المجتمع موضحا أن المساواة في الإرث فيها ظلم للمرأة لأن بنيتها ضعيفة و يمكن أن تخرج للعمل لأن المساواة ستشمل كل مناحي حياتها حسب ما يفهم من كلام الشيخ. كما عرج الشيخ على موضوع تعدد الزوجات موضحا انه حل للعنوسة التي يعاني منها المجتمع المغربي مستدلا بالأرقام, 6 ملايين عانس هو مجموع عوانس الوطن. كما عرف الشيخ الفيزازي حرية التعبير بعبارة تمنى لو كتبها بماء العين : أنت حر ما لم تضر, مفسرا التطرف الديني بالتطرف العلماني وبان الأول نتيجة حتمية للثاني.
ما سبق, محاولة لجرد ما جاء في تدخلات الفيزازي و عصيد وسأحاول أن أناقش ما جاء فيها دون الخوض في المسائل الفقهية بل فقط مقارنات بين القول والواقع وكذلك المواقف. مواقف الرجلين :
أظن أن خطاب عصيد يتخذ من الحقوق الكونية و الإنسانية مرجعية له كحال كل العلمانيين والحداثين بعيدا عن الدين, و البعد هنا بالضرورة لا يعني إسقاط الدين أو إلغاؤه وإنما دعوة للاجتهاد من اجل مسايرة المتغيرات والواقع, الواقع الذي هو يقينا مغربي بنسائه المشتغلات و نسائه المظلومات وقوانينه الوضعية التي ليست إسلامية تماما بل وكما نعلم فيها من الإسلام وفيها من قوانين الغرب والمواثيق الدولية وبالتالي الحديث يجب أن يكون أكثر واقعية, إلى هنا اتفق مع عصيد وأما فيما يخص المقررات التربوية وتدريس الدين فكنت أتمنى لو أن عصيد يأخذ نفس المواقف حين يتعلق الأمر بجودة التعليم و النهوض بقطاع التعليم عوض ان يلخصه في مادة التربية الاسلامية و أجد أن كلامه عن شخصية وطنية فيه شيء من الإقصاء أم يا ترى الوطن هو كل ما يتماشى مع إيديولوجية معينة او قناعات عصيد وبالتالي تسقط التعددية التي يتغنى بها ؟؟!!! أم أنه يقصد أن نجعله إسلاما شبيها بدوزيم أي فيه من "اللايت" والتوابل الدينية ما فيه من الجزئية و تغييب كلية الدين ؟؟؟!! ويبقى التساؤل مطروحا خصوصا وأننا انطلاقا من التعددية هناك المتشبثون بذلك النوع من المناهج والمقررات التربوية.
وبالنسبة للشيخ الفيزازي فأسجل اتفاقي معه في تلك العبارة التي فسر بها حرية التعبير "أنت حر ما لم تضر" كتأكيد على مواقفي السابقة حول مفهوم الحرية و التي نعاني كمجتمع وأفراد خلطا كبيرا في تحديد مفهوم مشترك لها, إلا أن العبارة ربما تفهم من زاوية أخرى أي أن يكون المحدد هو الوصاية الدينية و بالتالي نسقط مجددا في نفس الصراع الايديولوجي من يحدد لمن بل وربما يطرح مشكل الهوية بشدة من هو المغربي وما هي حدود حريته؟؟!!
وبخصوص موضوع المرأة فالشيخ الفيزازي نظرته هي نظرة اتجاهه الفكري أي أنها ليست مفاجئة و تلخص المرأة في الإنجاب و لزوم البيت رغم أن الواقع يؤكد أن المرأة تعيل بيوتا الان وان المرأة الان مساوية للرجل فكريا وفي جميع القطاعات بل وتتفوق عليه في العديد من القطاعات و المرأة المغربية لا تحتاج لشهادة أحد فما تحققه أكبر دليل على صحة كلامي, لهذا أجد كلام الشيخ غير مساير لواقع الأمور ويكرس نظرة دونية تجاوزها الزمن من عقود طويلة, فالمرأة كائن قائم بذاته, محقق لذاته, فارض لنفسه. وهنا أشير إلى كلام متناقض جاء على لسان الشيخ حين قال أن نعت الشيخ أبو النعيم للنساء بالباغيات أغاضه فهل يا ترى فاطمة الإفريقي لا تدخل في تصنيف النساء حسب الشيخ وهو الذي كتب مقالا يهاجمها فيه عنونه ب "إلى المتبجحة بالعهارة فاطمة الإفريقي" ؟؟ هذا الخطاب المزدوج أفسره شخصيا بفقدان الشيخ للبوصلة فأصبح يخلط السياسي بالديني بتحول مواقفه فتراه يميل حيث مالت كفة المخزن و هذا من حقه طبعا لأن القناعات تتغير خصوصا حين يمر المرء بتجربة الاعتقال والسجن.
وبعيدا عن كل هذا, شخصيا أجد نقاشات مثل لقاء العلمانية والتوجه الإسلامي هذا ظاهرة صحية ستنفع المجتمع لأن من شانها تقريب وجهات النظر عكس ما جاء على لسان الشيخ الفيزازي الذي اقترب من تحريم النقاش بحجة الأمن والاستقرار وكأنها خطة دفاعية استباقية لما من شانه أن يتحول من نقاش فكري أو ديني إلى سياسي نصب الشيخ نفسه وصيا وحاميا فكريا له.
ملحوظة حول دوزيم : الرسائل النصية التي تمرر عبر الشاشة والمفروض أنها من المشاهدين كلها تصب في اتجاه واحد وهو رفض خطابات أبو النعيم مما يتناقض مع ردود الشبكات الاجتماعية و التي ساندت فيها فئة مهمة الشيخ أبو النعيم...فهل يا ترى هؤلاء ليسوا من مشاهدي ومتتبعي البرنامج ؟؟ أستبعد ذلك.... فخلفية كلحسن كانت تبث صور ومقاطع من عناوين الجرائد توجه المشاهد نحو اتجاه واحد. فرغم اختلافي مع ذلك الفكر- أي فكر أبو النعيم- إلا أني أظنه موجودا ووجب الاستماع إليه أيضا ومحاورته. وعلى العموم نتمنى الخير للوطن وان تستمر النقاشات لتوحيد الرؤى ووجهات النظر.
https://www.youtube.com/watch?v=e4jVnjMbx0k رابط مشاهدة حلقة مباشرة معكم
https://www.youtube.com/watch?v=e4jVnjMbx0k رابط مشاهدة حلقة مباشرة معكم
إرسال تعليق